[size=24][color=cyan][b]مادمت موجود فلي وجود وسأعود .
مررت على غلام في السابعة من عمره فرأيته لوحده في زاوية من زوايا حيه وهو يخط على جدار هش متصدع بجمر التقطه مما خلفته نار القذائف التي ضربت هذا الحي ليلة البارحة ، فقلت له : ماذا تفعل يا صلاح؟ ماذا ترسم وماذا تخط؟
رفع رأسه بوجل وقال : أرسم ما تبقى من أرض بلادي وأخط : أين وجودي على أرض قد اغتصبت ؟ ولماذا أعيش وقد سلب مني كل شيء ..؟
مات أبي وماتت أمي وما تبقى من أهلي متشردون في الملاجئ والسجون..؟
وأنا هنا فراشي الأرض وغطائي السماء ..؟
وهذا جدار بيتي الذي تبقى من ميراث أجدادي أكتب فيه هذه الكلمات وأرسم هذه الرسومات ..؟
إنه لي وأنا حر فيه قبل أن تنزل عليه نازلة تفتته ..!
تمالكت نفسي عن البكاء بعدما هممت به لكن علم بحالي بتغير أحوالي فقال : ليس هو وقت البكاء والنحيب ..؟ ليس هو وقت الشكاوى أو التنديد ..؟
سيدي : لا تسمع إلا صوت البكاء والنحيب من هنا وهناك فلو كان هذا يجدي نفعا لانفلق صبح الفرج ..؟
أصحاب الهمم البالية هم من يكثرون البكاء ؟؟
تنفست الصعداء وتمالكت نفسي وقلت : صحيح يا بني، نحن بحاجة لرجال كالجبال لا تحركهم الزلازل ولا تكسر بشوكتهم النوازل رجال صادقون في عهدهم لا تغيرهم المطامع ولا تلعب بعقولهم الأهواء يعيشون لغيرهم لا لأنفسهم يترفعون عن الدناءة لا يشترون الغالي بالرخيص .
بني : من باع دينه بعرض من الدنيا زهيد ليس بعجيب حين يبيع وطنه بعرض أقل بكثير .
إن فساد الحال وتغير الأحوال هو بذهاب الرجال الذين لا تأخذهم في الله لومة لائم .
بني : صحيح كفانا بكاء وعويلا ، ومن كان بين يديه آلة حرث فلا ينتظر السماء فإنها لا تمطر ذهبا ولا فضة عليه أن يشد عن ساعد الجد ويقلب صفحات الأرض فبين طياتها ذهب خام وقوت العام على الدوام .
نعم علينا أن نكتب على جدار الزمن ونخط بأيدينا ما نقرؤه في يوم تشتد فيه المحن وتتوالى الفتن حتى إذا جاء هذا اليوم المشئوم نجد ما نخفف به على أنفسنا هذه المعاناة بقلب صفحات الماضي والتنقيب على ما أودعنا فيها من ذكريات فهي خير متنفس.
ولا تجد فيها سوى ما قدمت يداك ..؟
بني : إن مشكلة الأوطان اليوم واحدة وهي الصدود عن ماضي الأيام التي انطوت وانضوى فيها كل ما قدمت الأيادي من خير وشر وكل منا لا يريد أن يعود قليلا إلى الوراء لينظر ماذا كتبت يداه على جدار زمانه لأن في ذلك رشاد وسداد لما هو آت .
فكيف بمن يتصادم مع نفس العواقب ألم تكن له فطنة ويتراجع عن مساره وإن اقتضى الأمر فليغير مساره الذي دوما ينتهي لنفس العواقب .
ناس في مسارهم إلى المجهول لا يعرفون إلى أين يتجهون فهم يميلون تارة للميمنة وأخرى للمشأمة كالذي يتخبطه الشيطان من المس لكثرة ابتعادهم عن النهج المرسوم الذي خطه لهم رغم أنوفهم القدر المحتوم وكتبه قلم القدر :" ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا."
حتى لو بكينا ونزفنا بدل الدموع الدم القاني فإنه لا جدوى ولا نجني سوى تزايد الهم وتكدس الغم وكم نبكي على ما قدمت أيدينا ونشكو ونتضرع لكن في وقت المحنة فقط ..!ثم ربما تنجلي المحنة والمصيبةفنعود لنفس السبيل الذي انتهى بنا للهاوية …إذن فلا فطنة ؟؟
أرفع بني جمرتك التي رميتها هناك وأكمل ما كنت تخطه وترسمه لكن أضف هذه الجملة على جدار زمانك :
ما دمت موجود فأنا لي وجود وأنا صلاح وسأعود فويلكم مني يا صهاينة ويا يهود .
وما ذلك على الله بعزيز إن خلصت وصدقت النية .
فكن في الموعد والله من وراء القصد .
***********